اللص والكلاب : الفصل 1

 القيمة الحكائية للفصل الأول
نشر نجيب محفوظ سنة 1961 رواية سجلت تحولا في مساره الروائي . إنها رواية اللص والكلاب التي جاءت لتكشف تناقضات المجتمع المصري في ظل نظام اشتراكي لم ينجح في الحد من التفاوت الطبقي فحسب بل فتح الباب على مصراعيه للآنتهازية بكل ما في هذه الانتهازية من معنى.



تتضح هذه الحقيقة منذ الفصل الأول الذي يعتبر ليس مقدمة أو بداية وإنما نقطة انطلاق فعلي لأحداث الرواية . الفصل الأول هو الشرارة التي فجرت في نفس سعيد أحاسيس كانت لا تزال دفينة في صدره. فما هي هذه النقطة التي أفاضت الكأس وجعلت سعيد مهران ينتقل من المشاعر إلى الأفعال؟


مع بداية هذا الفصل نلتقي بسعيد وهو يغادر السجن. نتيجة عفو بمناسبة عيد الثورة . قضى أربع سنوات قضى أربع سنوات بين مخالب رغبة في الانتقام من نبوية وعليش وهما في نظره يجسدان الصورة الحقيقية الانتهازية . ألم تنتهز نبوية فترة دخوله السجن لتطلب الطلاق ثم تتزوج من عليش الحقير؟ ألم ينتهز عليش سقوط سعيد في قبضة العدالة ليرتقي من تابع ذليل لسعيد إلى سيد يجمع حوله الأتباع ويتزوج نبوية ؟



من باب السجن اتجه سعيد مهران توا إلى الحارة حيث يقطن عليش ونبوية .الرغبة شديدة في مواجهة الخائنين وجها لوجه . وأشد منها الرغبة في رؤية ابنته سناء ذات الخمس سنوات .سناء هي كل ما تبقى له في هذه الحياة المريرة . إن استرجاعها وحده الكفيل بأن يعيد له الثقة في الحياة.


دخل سعيد الحارة في نوع من التحدي . إن له صلة قوية بالحارة . ليس بالبيت ولا بنبوية الخائنة .سناء هي صلته القوية بالحارة وبالحياة كلها وهي حجته الدامغة .


( أنسيت أنني أب ؟ وأن ابنتي الصغيرة عند عليش؟)


وكان اللقاء . جيء بابنته . ولكن الصدمة كانت قوية . ابنته تجفل منه . لا تعرفه . تتنكر له أمام الخونة وتشمت به كل الأعداء . فتبا للدنيا بعد سناء .


ترسخ في ذهن سعيد في تلك اللحظة أن الذنب ليس ذنب سناء . إنه ذنب من انتهز فترة بعده عن ابنته لينتزعها منه انتزاعا . هل الشرع معهم ؟ هل لهم الحق في ذلك؟ ومن أعطاهم هذا الحق؟


( سوف آخذها ...لا بد أن تعود إلي)


في تلك اللحظة الحرجة تولد لدى سعيد الرغبة في الانتقام من الجميع . من نبوية وعليش وكل العالم.


وهكذا يكون الفصل الأول قد تضمن التركيز على العوامل النفسية والموضوعية التي حددت مواقف سعيد خلال الفصول التالية . بحيث غدت الرغبة في استرجاع سناء وانتزاعها من الخونة والانتهازيين هدفا وغاية في كل تصرفات سعيد مهران وحدت مواقفه ووجهت سلوكه .


من أجل استرجاع ابنته سيبدأ سعيد مطاردة حمقاء لكل الخونة واللصوص الذين سرقوا ماله وسرقوا منه ابنته . هذه المطاردة التي ستستمر طوال فصول الرواية . وستتحول إلى مطاردة مزدوجة . سعيد يطارد الخونة . والخونة بما فيهم البوليس يطاردون سعيد مهران .هذة المطاردة التي ستحول مع الفصول القادمة إلى حبكة روائية حافلة بالإثارة والتشويق.


إنها رواية ممتعة حقا.