ولا يتوقف أنصار التدجيل عند هذا لحد،حد الدفاع عن السحر،وإنما بلغ بهم التهافت إلى درجة ربط السحر بظاهرة المس والصرع.متقولين على الجن ما لم يأت به علم أو خبر صحيح.مثل ادعائهم دخول الجن بدن الإنسان،ومضاجعة الشيطان للنساء،وتعاقد السحرة والكهان مع الشياطين.
ولابد من الإقرار أن الإيمان بالسحر دخيل على الثقافة الإسلامة،تسرب إلى المسلمين من الثقافات الأخرى،وأصبح ركنا من العقيدة الإسلامية لدى العامة ولدى غالبية علماء الإسلام. حدث ذلك في غياب التحرى الدقيق للإسرائيليات وما اتصل ها من روافد الثقافات الوثنية.وهذه كتب التفسير حافلة بقصص خرافية عن الجن والشياطين،وتلك كتب الحديث زاخرة بدعوات مجانية للترهيب من أخطار السحر.ولا يكاد يخلو كتاب من هذه الكتب من تبسيط سبل الوقاية من السحر والتصدي له.
كان السحر من ركائز التصورات الجاهلية التي حاربها الإسلام وجاهد القرآن طويلا للقضاء عليها وكان تأثير الثقافة اليهودية عميقا في المؤلفات الإسلامية بما في ذلك كتب التفسير و الحديث وكتب الأدب والتاريخ.
فلإيمان بالسحر تصوير يهودي انحدر إلى بني إسرائيل خلال احتكاكهم بالمجتمعات الوثنية في مصر وبابل.وساعد أحبار اليهود على بلورة هذا التصور لمجاراة تلك الثقافات السائدة في الشرق القديم خلال القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد.
ولعل أقدم كتاب كرس ظاهرة السحر هو التلمود:
في هذا الكتاب ذكر حقيقة الجن والشياطين وطباعهم وصفاتهم وأحوالهم الاجتماعية وقدراتهم الخارقة وكل هذا من تلفيقات اليهود وأحبارهم.والأعجب أن هذا الكتاب أصبح المرجع الأساسي للدجالين والمشعوذين والسحرة في العالم الإسلامي.وهو أيضا المصدر الرئيسي لكثير من علماء التفسير ورواة الأخبار.وكثيرا مانسمع خطباء الجمعة وأئمة المساجد يرددون فقرات منه فيتلقاها المهور بكثير من التصديق.
في هذا الكتاب تشجيع على تعلم السحر باعتباره عملا مقدسا تنزلت به الملائكة على الأنبياء.وقد نسب اليهود السحر إلى هاروت وماروت،وهذا ما نفاه القرآن نفيا قاطعا(وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت).كما ادعى اليهود أن سليمان أخذ السحر عن هاروت وماروت وبه غلب الجن،(وما كفر سليمان) باعتبار أن الإيمان بالسحر كفر.
وترد في كتب التفسير قصة أسطورية تزعم أن هاروت وماروت ملكان،تمكنت امرأة من غوايتهما فوقعا في المعصية.ونسبت رواية هذه القصة إلى بعض الصحابة الأجلاء،بينما هي في الواقع قصة تتنافى مع خصائص التصور الديني للملائكة.ولم يرد أي خبر صحيح يؤكد أن هاروت وماروت من الملائكة.وأغلب الظن أنهما بشران على صيغة أسماء اليهود..مثل:طالوت وجالوت وهارون وقارون...
ومما يزيد الخطب فداحة حرص بعض العلماء على ربط عدد من الأمراض النفسية بفكرة صرع الجن للإنسان،وهذه فكرة من افتراء الثقافات القديمة،ثم اقتبستها كتب اليهود وتزيدت فيها.وجاءت النسخ المشبوهة للإنجيل لتدعم هذه الخرافة ولتجعل الشعوذة من معجزات الأنبياء.
يذكر الإنجيل جملة أحداث يشفي فيها عيسى المصروع والمسحور.ورد في الإنجيل متى:(يسوع يشفي صبيا فيه روح نجس ،كان يصاب بالصرع وانتهره يسوع فخرج الشيطان من الصبي).
ومن الكتب القديمة في السحر كتاب (أتهارفا فيدا) وهو علم الصيغ السحرية،وضعه طبقة الكهنة البراهمة في الهند،وشاع قبل ظهور بوذا في القرن الخامس قبل الميلاد.كما شاع السحر عند الفراعنة في مصر،حيث كان الكهنة يتلون الأدعية والتعازيم.ويطردون الأمراض بالأوامر والإيعازات مثل قولهم:
(اخرج أيها البرد..يا من تهشم العظم وتتلف الجمجمة..) وكان عندهم أيضا كتاب الموتى وهو عبارة ن تمائم سحرية للوقاية من الأسماك والأفاعي والجعلان،وأدعية يتسلح بها الإنسان في عالم ما بعد الموت.
تسربت هذه التصورات إلى المجتمع الإسلامي،واقتبسها علماء الدين عندنا،في محاولة لإرضاء شغف العامة بالأساطير،فراحوا يؤولون من الآيات ما لا يحتمل التأويل.وقد وجدوا في بعض الروايات الضعيفة معينا لا ينضب. فإذا تأويلاتهم تتنافى مع خصائص التصوير الفني في القرآن، وتتعارض مع أسرار البلاغة العربية.
ازدهر هذا الإتجاه في العصر الحاضر ازدهارا واسعا،يدعمه رجال العلم والإفتاء في الأزهر ومكة والمدينة،يركبون موجة من الشطحات.ألم يصرح أحدهم أنه حاور جنيا أسلم اسمه مصطفى كنجور؟.
ألم يؤكد أحد علماء الأزهر أن الجن يقاتلون مع المجاهدين في أفغانستان؟
فمتى يرفع اللبس وينكشف غطاء الوهم والتدجيل،ويعود علماء الدين عن التراهات والأباطيل؟...